المادة    
سوف نورد إن شاء الله تعالى بعض الشهادات التي في كتب أهل الكتاب -مما لم يحرف- في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصدق رسالته، ولعل قائلاً يقول: وما حاجتنا إلى ذلك؟ فنقول: ليست الحاجة إليه لنؤمن نحن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فنحن والحمد لله في غنىً عن ذلك، وإن كان ذلك قد يقوي الإيمان؛ ولكن حاجتنا إليه من جهة أنهم هم يؤمنون بهذه النصوص، وهي موجودة في كتبهم إلى اليوم، ولن نأتي بجديد؛ لأن ذلك قد ذكره الله سبحانه وتعالى في القرآن في مواضع كثيرة: ((أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ))[الشعراء:197]... ((وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ))[الأحقاف:10].
وما ذكره الله سبحانه وتعالى من أوصاف الذين يهتدون من النصارى عندما يرون صدق هذا النبي صلى الله عليه وسلم، ومطابقة ما يقول وما يدعو إليه لما عندهم في التوراة: ((تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ))[المائدة:83]... ((وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا))[الإسراء:109] وغير ذلك؛ فهو دليل قرآني، وحجة واردة في كتاب الله سبحانه وتعالى، وما يأتي هنا يبين ذلك ويؤكده؛ كما سوف نعرض إن شاء الله من الآيات.
  1. ذكر براعة شيخ الإسلام في رد الباطل وإيضاح الحق

    وقد جمع شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه الجواب الصحيح كثيراً من البشارات بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فكتابه هذا كتاب أصيل؛ وفي التعرف عليه فائدة لنا جميعاً؛ إذ أن من مشكلاتنا وأخطائنا -نحن الشباب والدعاة في هذا العصر- أننا لا نرجع إلى الكتب الأصيلة، والقليل منا من يرجع إليها ويأخذ منها.
    وهناك أمر آخر: وهو أن كثيراً من الناس بهروا وذهلوا من مناظرات الشيخ أحمد ديدات على سبيل المثال، ولا شك أنها باهرة ورائعة، ولست هنا بصدد تقييمها ولكن هناك ما هو أعظم من ذلك وأولى، وأصوب وأدق وأقدم، وهو ما كتبه شيخ الإسلام رحمه الله في الجواب الصحيح، ففيه كلام أوسع أفقاً وأرحب مجالاً، ويقرر فيه حقائق عجيبة جداً غير مسألة إقامة الحجة عليهم، ولو أن أي حبر قرأه لما وسعه إلا أن يسلم أو يلجم؛ لأن فيه حقائق علمية قوية قاطعة.
    وحين يعرض المسألة يعرضها بأوجه كثيرة وكأنه محايد كل المحايدة، ثم يأخذ الأدلة واحداً واحداً، حتى يقرر الحق الذي تشهد له العقول السليمة والفطر القويمة. فقد كان رجلاً عجيباً في تقرير الأدلة والرد على الخصوم.
    ومعلوم من ديننا أنه لا يبيح صنع التماثيل، ولا تعظيم الأشخاص والغلو فيهم فوق ما يستحقون؛ لكنني أقول من واقع القراءة في فكر الغربيين ومعرفتي بهم على محدوديتها: لو كان شيخ الإسلام هذا أوروبياً، لصنعوا له تمثالاً في كل ميدان، ولجعلوا اسمه على كل شارع؛ لأنه يأتي بأشياء مذهلة، ويستوعب كل القضايا؛ حتى إنه ذكر قضية الترجمة واختلاف الأناجيل من حيث اللغات.
    وهذا الكتاب ليس مختصاً فقط بالرد على النصارى، بل يرد على اليهود وعلى الفلاسفة، ويقرر حقائق عجيبة من القرآن الكريم والسنة المطهرة، في شرف هذه الأمة وفضلها، وفضل نبيها محمد صلى الله عليه وسلم، وما خصها الله تبارك وتعالى به من الكرامة، وما ميزها به، وغير ذلك من الأمور، حتى في القضايا الفقهية والأصولية، والقراءات والترجمات، ومسائل الولاء والبراء، وأحكام كثيرة جداً لا أستطيع أن آتي بتفاصيلها، وسيرى القارئ طرفاً منها إن شاء الله.
  2. شهادة الكتب المتقدمة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم من دلائل نبوته

    قال شيخ الإسلام : "ومما ينبغي أن يعرف ما قد نبهنا عليه غير مرة؛ أن شهادة الكتب المتقدمة لمحمد صلى الله عليه وسلم -إما شهادتها بنبوته، وإما شهادتها بمثل ما أخبر به- هو من الآيات البينات على نبوته ونبوة من قبله، وهو حجة على أهل الكتاب، وعلى غير أهل الكتاب من أصناف المشركين والملحدين، كما قد ذكر الله هذا النوع من الآيات في غير ما موضع من كتابه، كما في قوله تعالى: ((أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ))[الشعراء:197]، وقوله: ((فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ))[يونس:94]، وقوله: ((قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ))[الرعد:43]، وقوله: ((وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ))[الأنعام:114]، وقوله: ((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ))[البقرة:146]، وقوله: ((وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ))[المائدة:83-84]، وقوله: ((إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا))[الإسراء:107-109]، وذلك مثل قوله في التوراة ماقد ترجم بالعربية: (جاء الله من طور سينا ".
    هذه هي العبارة الأولى، ومن دقته رحمه الله أنه يأتي بها من عدة ترجمات حسب النسخ، وهذه العبارة موجودة في التوراة إلى اليوم، وقد وجدتها في الطبعة التي عندي، وهي طبعة بيروت عام (1977م) وكل الطبعات الحديثة تقريباً سواء.